فصل: تفسير الآيات (36- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
إنما قال تعالى: قل، ولم يقل: قولوا؛ لأنّ نوحًا عليه السلام كان لهم نبيًا وإمامًا فكان قوله قولًا لهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية، وإن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي، ولما أشار له بهذا القول إلى السلامة بالحمل أتبعه بالإشارة إلى الوعد بإسكان الأرض بقوله تعالى: {وقل رب أنزلني} في الفلك ثم في الأرض، وفي كل منزل تنزلني به وتورثني إياه {منزلًا مباركًا} أي: يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين، وقرأ أبو بكر بفتح الميم وكسر الزاي أي: مكان النزول، والباقون بضم الميم وفتح الزاي مصدر أو اسم مكان، ثم إن الله تعالى أمره أنّ يشفع الدعاء بالثناء عليه المطابق لمسألته وهو قوله تعالى: {وأنت خير المنزلين} ما ذكر لأنك تكفي نزيلك كل ملم وتعطيه كل أمر، ولما كانت هذه القصة من أغرب القصص حث على تدبرها بقوله تعالى: {إن في ذلك} أي: الأمر العظيم من أمر نوح والسفينة وإهلاك الكفار {لآيات} أي: دلالات على قدرة الله تعالى وصدق الأنبياء في أنّ المؤمنين هم المفلحون وأنهم الوارثون للأرض بعد الظالمين، وإن عظمت شوكتهم واشتدت صولتهم {وإن كنا} بما لنا من العظمة والوصف الثابت الدال على تمام القدرة {لمبتلين} أي: فاعلين فعل الخبير المختبر لعبادنا بإرسال الرسل ليظهر في عالم الشهادة الصالح منهم من غيره، ثم نبتلي الصالحين منهم بما يزيد حسناتهم وينقص سيئاتهم ويعلي درجاتهم، ثم نجعل لهم العاقبة كما قال تعالى: {والعاقبة للمتقين} [الأعراف].
تنبيه:
إن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام هي الفارقة.
القصة الثانية: قصة هود:
وقيل: صالح عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى: {ثم أنشأنا} أي: أحدثنا وأحيينا {من بعدهم} أي: من بعد إهلاكهم {قرنًا} أي: قومًا {آخرين} هم عاد قوم هود، وقيل: ثمود قوم صالح.
{فأرسلنا} أي: فتعقب إنشاءنا لهم وتسبب عنه أنا أرسلنا {فيهم رسولًا منهم} هو هود، وقيل: صالح؛ قال البغوي: والأوّل هو الأظهر وهو المروي عن ابن عباس ويشهد له حكاية الله قول هود: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} [الأعراف].
ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء، ثم بين تعالى ما أرسل به بقوله تعالى: {أن اعبدوا الله} أي: وحدوه لأنه لا مكافىء له، ثم دل على الاستغراق بقوله تعالى: {ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} أي: هذه الحالة التي أنتم عليها مخافة عقابه فتؤمنون، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي بضم النون في الوصل والباقون بكسرها، والقراءة في غيره ذكرت قريبًا.
{وقال الملأ} أي: الأشراف التي تملأ رؤيتهم الصدور {من قومه الذين كفروا} أي: غطوا ما يعرفون من أدلة التوحيد والانتقام من المشركين {وكذبوا بلقاء الآخرة} أي: بالمصير إليها {وأترفناهم} أي: والحال أنا بما لنا من العظمة نعمناهم {في الحياة الدنيا} بالأموال والأولاد وكثرة السرور يخاطبون أتباعهم {ما هذا} أشاروا إليه تحقيرًا له عند المخاطبين {إلا بشر مثلكم} في الخلق والحال، ثم وصفوه بما يوهم المساواة لهم في كل وصف فقالوا: {يأكل مما تأكلون منه} أي: من طعام الدنيا {ويشرب مما تشربون} أي: من شرابها فكيف يكون رسولًا دونكم، وقولهم: {ولئن} اللام لام قسم أي: والله لئن {أطعتم بشرًا مثلكم} أي: فيما يأمركم به {إنكم إذًا} أي: إن أطعتموه {لخاسرون} أي: مغبونون لكونكم فضلتم مثلكم عليكم بما يدعيه، ثم بينوا إنكارهم بقولهم: {أيعدكم أنكم إذا متم} ففارقت أرواحكم أجسادكم {وكنتم} أي: وكانت أجسادكم {ترابًا} باستيلاء التراب على ما دون عظامكم {وعظامًا} مجردة عن اللحوم والأعصاب {أنكم مخرجون} أي: من تلك الحالة التي صرتم إليها فراجعون إلى ما كنتم عليه من الحياة على ما كان لكم من الأجسام.
تنبيه:
قوله تعالى: {مخرجون} خبر {أنكم} الأولى، و{أنكم} الثانية تأكيد لها لما طال الفصل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ}: قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: حَقُّ أَرْسَلَ أَنْ يَتَعَدَّى ب إلى كأخواتِه التي هي: وَجَّه وأنفذ وبَعَثَ، فما بالُه عُدِّي في القرآن ب إلى تارة وب في أخرى كقوله: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ} [الرعد: 30]؟ قلت: لم يُعَدَّ ب في كما عُدِّي ب إلى ولم يجعَلْه صلةً مثلَه، ولكن الأُمَّةَ أو القريةَ جُعِلَتْ مَوْضِعًا للإِرسالِ كقولِ رُؤْبة:
أرسلْتَ فيها مُصْعبًا ذا إقحامِ

وقد جاء بعث على ذلك كقولِه تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} [الفرقان: 51].
قوله: {أَنِ اعبدوا} يجوز أَنْ تكونَ المصدريةَ أي: أَرْسَلْناه بأَنِ اعبدوا أي: بقوله اعبدوا، وأَنْ تكونَ مفسِّرةً.
قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: ذَكَر مقالةَ هود في جوابه في سورةِ الأعراف، وسورة هود، بغير واو: {قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف: 66] {قَالُواْ ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: 53] وهاهنا مع الواوِ فأيُّ فَرْقٍ بينهما؟ قلت: الذي بغيرِ واوٍ على تقديرِ سؤالِ سائلٍ: قال: فماذا قيل له؟ فقيل له: قالوا: كيتَ وكيتَ. وأمَّا الذي مع الواو فَعَطْفٌ لِما قالوه على ما قاله، ومعناه أنه اجتمع في الحصول: هذا الحقُّ وهذا الباطلُ، وشتان ما بينهما.
قلت: ولقائلٍ أَنْ يقولَ: هذا جوابٌ بنفس الواقعِ، والسؤالُ باقٍ؛ إذ يَحْسُنُ أن يُقال: لِمَ لا يُجْعَلْ هنا قولُهم أيضًا جوبًا لسؤالِ سائلٍ كما في نظيرتَيْها لو عكس الأمر؟.
قوله: {مِمَّا تَشْرَبُونَ}: أي: منه، فَحَذَفَ العائدَ لاستكمالِ شروطِه وهو: اتِّحادُ الحرفِ والمتعلَّقِ، وعدمُ قيامِه مقامَ مرفوع، وعدمُ ضميرٍ آخرَ. هذا إذا جَعَلْناها بمعنى الذي فإنْ جَعَلْتَها مصدرًا لم تَحْتج إلى عائدٍ، ويكونُ المصدرُ واقعًا موقعَ المفعولِ أي: مِنْ مَشْروبكم. وقال في التحرير: وزعم الفراء أنَّ معنى ما تَشْربون على حذفٍ أي: تشربون منه.
وهذا لا يجوز عند البصريين، ولا يَحْتَاج إلى حَذْفٍ البتةَ لأنَّ ما إذا كانَتْ مصدريةً لم تحتجْ إلى عائدٍ، فإنْ جعلتَها بمعنى الذي حَذَفْتَ العائدَ، ولم يُحْتَجْ إلى إضمار مِنْ. يعني أنَّه يُقَدَّرُ: تَشْربونه من غيرِ حرفِ جرّ، وحينئذٍ تكون شروطُ الحذفِ أيضًا موجودةً، ولكنه تَفُوْتُ المقابلةُ إذ قوله: {تَأْكُلُونَ مِنْهُ} فيه تبعيضٌ، فَلَوْ قَدَّرْتَ هذا: تشربونه مِنْ غير مِنْ فاتَتْ المقابلةُ. ثم إنَّ قوله: وهو لا يجوز عند البصريين ممنوع بل هو جائزٌ لوجود شروطِ الحذف.
{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)}.
قوله: {إِذَنْ}: قال الزمخشري: واقعٌ في جزاءِ الشرط وجوابٌ للذين قاولوهم مِنْ قومِهم. قال الشيخ: وليس إذا واقعًا في جزاءِ الشرط بل واقعًا بين أنَّكم والخبر، و إنكم والخبرُ ليس جزاءً للشرط، بل ذلك جملةٌ جوابِ القَسمِ المحذوفِ قبل أن الشرطيةِ. ولو كانت إنكم والخبرُ جوابًا للشرطِ، لَزِمَتِ الفاءُ في إنكم، بل لو كان بالفاءِ في تركيبِ غيرِ القرآنِ لم يكنْ ذلك التركيبُ جائزًا إلاَّ عند الفراءِ. والبصريون لا يُجيزونه. وهو عندهم خطأٌ.
قلت: يعني أنه إذا توالَى شرطٌ وقسم أُجيب سابقُهما، والقَسَمُ هنا متقدِّمٌ فينبغي أَنْ يُجَابَ ولا يجابَ الشرطُ، ولو أُجيب الشرطُ لاختلَّتْ القاعدةُ إلاَّ عند بعضِ الكوفيين، فإنَّه يُجيب الشرطَ وإنْ تأخَّر. وهو موجودٌ في الشعر.
قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ}: الآيةُ في إعرابها ستةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّ اسم أن الأولى مضافٌ لضميرِ الخطاب حُذِفَ وأقيم المضافُ إليه مُقامَه، والخبرُ قولُه: {إِذَا مِتٌّمْ} و{أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} تكريرٌ ل أن الأولى للتأكيدِ والدلالةِ على المحذوفِ والمعنى: أنَّ إخراجَكم إذا مِتُّمْ وكُنْتُم.
الثاني: أنَّ خبرَ أن الأولى هو {مُخْرَجُون}، وهو العامل في إذا، وكُرِّرَتْ الثانيةُ توكيدًا لَمَّا طال الفصل. وإليه ذهبَ الجرميُّ والمبردُّ والفراءُ.
الثالث: أنَّ {أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} مُؤَولٌ بمصدرٍ مرفوع بفعلٍ محذوفٍ، ذلك الفعلُ المحذوفُ هو جوابُ إذا الشرطيةِ، وإذا الشرطيةُ وجوابُها المقدَّرُ خبرٌ ل أنَّكم الأولى، تقديرُه: يَحْدُث أنكم مُخْرَجون.
الرابع: كالثالثِ في كونِه مرفوعًا بفعلٍ مقدرٍ، إلاَّ أنَّ هذا الفعلَ المقدَّرَ خبرٌ ل أن الأولى، وهو العاملُ في إذا.
الخامس: أنَّ خبر الأولى محذوفٌ لدلالةِ خبرِ الثانيةِ عليه، تقديرُه: أنكم تُبْعَثُون، وهو العاملُ في الظرف، وأنَّ الثانية وما في حَيِّزِها بدلٌ من الأولى، وهذا مذهبُ سيبويه.
السادس: أنَّ {أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} مبتدأٌ، وخبرُه الظرفُ مقدَّمًا عليه، والجملةُ خبرٌ عن إنكم الأولى، والتقديرُ: أيَعِدُكم أنَّكم إخراجُكم كائنٌ أو مستقرٌ وقتَ موتِكم. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ في إذا {مُخْرَجُون} على كلِّ قولٍ؛ لأنَّ ما في حيِّز أن لا يعمل فيما قبلها، ولا يعمل فيها مِتُّم لأنه مضافٌ إليه، و أنَّكم وما في حَيِّزه في محلِّ نصبٍ أو جرّ بعد حَذْفِ الحرفِ، إذ الأصلُ: أيَعِدُكم بأنَّكم. ويجوزُ أَنْ لا يُقَدَّرَ حرفُ جرّ، فيكونُ في محلِّ نصبٍ فقط نحو: وَعَدْتُ زيدًا خيرًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31)}.
تتابعت القرونُ على طريقةٍ واحدةٍ في التكذيب، وغرّهم طولُ الامهالِ، وما مكنَّهم من رَفَه العيش وخَفْض الدّعَةِ، فلم يقيسوا إلا على أنفسهم، ولم يَسْمُ لهم طَرَفٌ إلى مَنْ فوقهم في الحال والمنزلة، فقالوا: أنؤمن بمن يتردد في الأسواق، وينتفع مثلنا بوجوه الأرفاق؟ ولئن أطعنا بشرًا مثلنا لَسَلَكنا سبيلَ الغَيِّ، وتَنَكَبْنا سُنَّةَ الرُّشْدِ. فأجراهم اللُّه في الإهانةِ وإحلال العقوبة بهم مجرًى واحدًا وأذاقهم عذابَ الخزْي. وأعظمُ ما دَاخَلَهم من الشُّبهةِ والاستبعادِ أمرْ الحشْرِ والنشر، ولم يرتقوا للعلم بأنَّ الإعادة كالابتداء في الجواز وعدم الاستحالة، والله يهدي مَنْ يشاء ويُغْوِي مَنْ يريد.
ثم إن الله في هذه السورة ذَكَرَ قصةَ موسى عليه السلام، ثم بعده قصةَ عيسى عليه السلام، وخَصَّ كُلَّ واحدٍ منهم بآياته الباهرة ومعجزاته الظاهرة. اهـ.

.تفسير الآيات (36- 41):

قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم استأنفوا التصريح بما دل عليه الكلام من استبعادهم ذلك فقالوا: {هيهات هيهات} أي بعد بعد جدًا بحيث صار ممتنعًا، ولم يرفع ما بعده به بل قطع عنه تفخيمًا له، فكان كأنه قيل: لأيّ شيء هذا الاستبعاد؟ فقيل: {لما توعدون}.
ولما كانوا بهذا التأكيد في التبعيد كأنهم قالوا: إنا لا نبعث أصلًا، اتصل به: {إن هي} أي الحالة التي لا يمكن لنا سواها {إلا حياتنا الدنيا} أي التي هي أقرب الأشياء إلينا وهي ما نحن فيها، ثم فسروها بقولهم: {نموت ونحيا} أي يموت منا من هو موجود، وينشأ آخرون بعدهم {وما نحن بمبعوثين} بعد الموت، فكأنه قيل: فما هذا الكلام الذي يقوله؟ فقيل: كذب؛ ثم حصروا أمره في الكذب فقالوا: {إن} أي ما {هو إلا} وألهبوه على ترك مثل ما خاطبهم به بقولهم: {رجل افترى} أي تعمد {على الله} أي الملك الأعلى {كذبًا} والرجل لا ينبغي له مثل ذلك، أو هو واحد وحده، أي لا يلتفت إليه {وما نحن له بمؤمنين} أي بمصدقين فيما يخبرنا به من البعث والرسالة؛ ثم استأنف قوله: {قال رب} أي أيها المحسن إلى بإرسالي إليهم وغيره من أنواع التربية {انصرني} عليهم أي أوقع لي النصر {بما كذبون} فأجابه ربه بأن {قال عما قليل} أي من الزمن.
وأكد قلته بزيادة ما {ليصبحن نادمين} على تخلفهم عن اتباعك.
ولما تسبب عن دعائه أن تعقب هلاكهم، وعد الله له بذلك، قال تعالى: {فأخذتهم الصيحة} أي التي كأنها لقوتها لا صحية إلا هي، ويمكن أن تكون على بابها فتكون صيحة جبرئيل عليه الصلاة والسلام ويكون القوم ثمود، ويمكن أنت تكون مجازًا عن العذاب الهائل {بالحق} أي بالأمر الثابت من العذاب الذي أوجب لهم الذي لا تمكن مدافعته لهم ولا لأحد غير الله، ولا يكون كذلك إلا وهو عدل {فجعلناهم} بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة، بسبب الصيحة {غثاء} كأنهم أعجاز نخل خاوية، جاثمين أمواتًا يطرحون كما يطرح الغثاء، وهو ما يحمله السيل من نبات ونحوه فيسود ويبلى فيصير بحيث لا ينتفع به، ونجينا رسولهم ومن معه من المؤمنين، فخاب الكافرون، وأفلح المؤمنون، وكانوا هم الوارثين للأرض من بعدهم.
ولما كان هلاكهم على هذا الوجه سببًا لهوانهم، عبر عنه بقوله: {فبعدًا} أي هلاكًا وطردًا.
ولما كان كأنه قيل: لمن؟ قيل: لهم! ولكنه أظهر الضمير تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف تحذيرًا لكل من تلبس به فقال: {للقوم} أي الأقوياء الذي لا عذر لهم في التخلف عن اتباع الرسل والمدافعة عنهم {الظالمين} الذين وضعوا قوتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم. اهـ.